وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لكم .. من المنظور الطبي الحديث
د / عبد الباسط محمد سيد
أستاذ ورئيس قسم الكيمياء الحيوية بالمركز القومي للبحوث سابقاً
ورئيس مجلس إدارة جمعية الإعجاز العلمي للقرآن والسنة
................الجزء الثاني:
الصيام والتخلص من السموم:
يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وأغلب هذه المواد يأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، وخصوصاً في هذا العصر الذي عمت فيه الرفاهية مجتمعات كثيرة، وحدث وفر هائل في الأطعمة بأنواعها المختلفة، وتقدمت وسائل التقنية في تحسينها وتهيئتها وإغراء الناس بها، فانكب الناس يلتهمونها بنهم، مما كان له أكبر الأثر في إحداث الخل لكثير من العمليات الحيوية داخل خلايا الجسم، وظهر – نتيجة لذلك – ما يسمى بأمراض الحضارة: كالسمنة، وتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي وجلطات القلب، والمخ، والرئة، ومرض السرطان، وأمراض الحساسية والمناعة.
وتذكر المراجع الطبية: أن جميع الأطعمة تقريباً – في هذا الزمان – تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف للطعام أثناء إعداده، أو حفظه، كالنكهات الألوان ومضادات الأكسدة والمواد الحافظة، أو الإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان: كمنشطات النمو والمضادات الحيوية والمخصبات أو مشتقاتها، وتحتوي بعض النباتات في تركيبها على بعض المواد الضارة... كما أن عدداً كبيراً من الأطعمة يحتوي على نسبة من الكائنات الدقيقة، التي تفرز سمومها فيها وتعرضها للتلوث.
هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضوابط.. إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة التي تقطن في أجسامنا بأعداد تفوق الوصف والحصر... وأخيراً مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا، والتي تسبح في الدم، كغاز ثاني أكسيد الكربون واليوريا والكرياتينين والأمونيا والكبريتات وحمض اليوريا.. إلخ، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه، مثل: الأندول والسكاتول والفينول...
كل هذه السموم جعل الله سبحانه وتعالى للجسم منها فرجاً ومخرجاً، فيقوم الكبد – وهو الجهاز الرئيسي في تنظيف الجسم من السموم – بإبطال مفعول كثير من هذه المواد السامة، بل قل يحولها إلى مواد نافعة، مثل: اليوريا والكرياتين وأملاح الأمونيا، غير أن للكبد جهداً وطاقة محدودة، وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية، أو لأسباب طبيعية، كتقدم السن، فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم، وخصوصاً في المخازن الدهنية، وتذكر المراجع الطبية أن الكبد يقوم بتحويل مجموعة كبيرة من الجزيئات السمية، والتي غالباً ما تقبل الذوبان في الشحوم إلى جزئيات غير سامة تذوب في الماء، يمكن أن يفرزها الكبد عن طريق الجهاز الهضمي، أو قد تخرج عن طريق الكلى.
وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد، حتى تُؤكسد ويُنتفع بها، وتُستخرج منها السموم الذاتية فيها، وتُزالُ سُميتها ويُتخلص منها مع نفايات الجسد، كما أن الدهون المتجمعة أثناء الصيام في الكبد – والقادمة من مخازنها المختلفة – يساعد ما فيها من الكوليستيرول على التحكم وزيادة إنتاج مركبات الصفراء في الكبد، والتي بدورها تقوم بإذابة مثل هذه المواد السامة والتخلص منها مع البراز.
ويؤدي الصيام خدمة جليلة للخلايا الكبدية، بأكسدته للأحماض الدهنية، فيخلص هذه الخلايا من مخزونها من الدهون، وبالتالي تنشط هذه الخلايا، وتقوم بدورها خير قيام، فتعادل كثيراً من المواد السامة – بإضافة حمض الكبريت أو حمض الجلوكونيك – حتى تصبح غير فعالة ويتخلص منها الجسم، كما يقوم الكبد بالتهام أية مواد دقيقة، كدقائق الكربون التي تصل إلى الدم ببلعمة جزيئاتها، بواسطة خلايا خاصة تسمى خلايا( كوبفر)، والتي تبطن الجيوب الكبدية ويتم إفرازها مع الصفراء، وفي أثناء الصيام يكون نشاط وكفاءة هذه الخلايا في أعلى معدل كفاءتها للقيام بوظائفها، فتقوم بالتهام البكتريا بعد أن تهاجمها الأجسام المضادة المتراصة.
وبما أن عمليات الهدم (Catabolism) في الكبد أثناء الصيام تغلب علميات البناء (anabolism) في التمثيل الغذائي، فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة، ويزداد أيضاً نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سمية كثير من المواد السامة، وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة.
يقول الدكتور ماك فادون – وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره – إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضاً لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم فتجعله كالمريض وتثقله، فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم، وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.
هل من الأفضل في الصيام: الحركة أم السكون ؟:
ذكرت المراجع الطبية، إن الحركة العضلية في فترة ما بعد امتصاص الغذاء – أثناء الصوم – تؤكسد مجموعة خاصة من الأحماض الأمينية ( ليوسين وأيسوليوسين والفالين)، وتسمى الأحماض ذات السلسلة المتفرعة (Br CAAs). وبعد أن تحصل الخلايا العضلية على الطاقة المنبعثة من هذا التأكسد يتكون داخل هذه الخلايا حامضان أمينيان في غاية الأهمية، وهما حمضا الألانين والجلوتامين، ويعتبر الأول وقوداً أساسياً في تصنيع الجلوكوز الجديد في الكبد، ويدخل الثاني في تصنيع الأحماض النووية، ويتحول جزء منه إلى الحمض الأول. كما يتكون أثناء النشاط والحركة حمضاً البيروفيت واللاكتيت، وذلك من أكسدة الجلوكوز في الخلايا العضلية، وهما الحامضان اللذان يعتبران أيضاً الوقود الأولى لتصنيع جلوكوز الكبد.
تتأكسد الأحماض الأمينية ذات السلسلة المتفرعة أساساً في العضلات، حيث يوجد الإنزيم الخاص بتحويل مجموعة الأمين (Amino Trans - ferase)بكثرة في جهازي الاحتراق (ميتوكوندريا) والسيتوزول (Cytosol) في الخلايا العضلية. وتزداد هذه الأكسدة بالحركة، لذلك فإن عملية تصنيع جلوكوز جديد في الكبد تزداد بازدياد الحركة العضلية، وربما تصل إلى ثلاثة أضعافها في حالة عدم الحركة. ويعتبر حمض الألانين أهم الأحماض الأمينية المتكونة في العضلات أثناء الصيام، إذ يبلغ 30 % منها، وتزيد هذه النسبة بالحركة والنشاط، ويتكون من أكسدة بعض الأحماض الأمينية ومن البيروفيت، كما يتحول هو أيضاً إلى البيروفيت – عبرة دائرة تصنيع الجلوكوز في الكبد وأكسدته في العضلات.
ويستهلك الجهاز العضلي الجلوكوز القادم من الكبد ( للحصول منه على الطاقة)، فإن زادت الحركة وأصبح الجلوكوز غير كاف لإمداد العضلات بالطلاقة، حصلت على حاجتها من أكسدة الأحماض الأمينية الحرة القادمة من تحلل الدهن في الأنسجة الشحمية، فإن قلت الأحماض الدهنية حصلت العضلات على الطاقة من الأجسام الكيتونية الناتجة من أكسدة الدهون في الكبد، والذي يؤكد أن النشاط والحركة تنشط جميع عمليات الأكسدة لكل المركبات التي تمد الجسم بالطاقة، وتنشط عملية تحلل الدهون، كما تنشط عملية تصنيع الجلوكوز بالكبد، من الجليسرول الناتج عن تحلل الدهون في النسيج الشحمي، ومن اللاكتيت الناتج من أكسدة الجلوكوز في العضلات.
ولذلك فالحركة أثناء الصيام الإسلامي تعتبر عملاً إيجابياً وحيوياً يزيد من كفاءة عمل الكبد والعضلات، ويخلص الجسم من الشحوم، ويحميه من أخطار زيادة الأجسام الكيتونية، كما أن الحركة العضلية تثبط تصنيع البروتين في الكبد والعضلات، وتتناسب درجة التثبيط مع قوة الحركة ومدتها، وهذا بدوره يوفر طاقة هائلة تستخدم في تكوين البروتين، حيث تحتاج كل رابطة من الأحماض الأمينية إلى مخزون الطاقة في خمسة جزيئات للأدينوزين والجوانين ثلاثي الفوسفات (ATP & CTP)، وإذا كان كل جزيء من هذين المركبين يحتوي على كمية من الطاقة تتراوح من 5-10 كيلو كالورى، وإذا علمنا أن أبسط أنواع البروتين لا يحتوي الجزيء منه على أقل من 100 حمض أميني، فكم تكون إذاً تلك الطاقة المتوفرة من تثبيط تكوين مجموعة البروتينات المختلفة بأنواعها المتعددة ؟
وفي أثناء الحركة، أيضاً، يستخدم الجلوكوز والأحماض الدهنية والأحماض الأمينية في إنتاج الطاقة للخلايا العضلية، وهذا بدوره يؤدي إلى تنبيه مركز الأكل في الوساد تحت البصري (Hypothalamus)(42)، وذلك لوجود علاقة عكسية (Feed Back)بين هذه المواد في الدم ودرجة التشبع وتنبيه مركز الأكل في الدماغ. لذلك فإن الحركة العضلية تنبه مركز الأكل وتفتح الشهية للطعام.
كما أن الحركة، والنشاط العضلي الزائد، يحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في غياب الأكسجين، وينتج حمض اللاكتيك ممن جراء التمثيل الغذائي للسكر الناتج، وهو الحمض الذي يمر إلى الدم ويتحول بدوره إلى جلوكوز، وجليكوجين بواسطة الكبد... ففي العضلات لا يتحلل الجليكوجين إلى جلوكوز في حالة السكون، كما في الكبد، وذلك لغياب إنزيم فوسفاتاز – 6 – الجلوكوز (Glucose 6 phosphatase).فالحركة إذن عامل هام لتنشيط استقلاب المخزون من الجليكوجين العضلي إلى جلوكوز، وتقديمه للأنسجة التي تعتمد عليه كالمخ والجهاز العصبي وخلايا الدم ونقيُ العظام ولب الكلى.
ويمكن كذلك، أن تكون للحركة العضلية علاقة بتجديد الخلايا المبطنة لأمعاء، فيتحسن الهضم والامتصاص للمواد الغذائية، إذ تحتاج هذه الخلايا لحمض الجلوتامين لتصنيع الأحماض النووية (Nucleotide Synthesis)، وهو الحمض الذي تنتجه العضلات بكثرة أثناء الحركة. ويتجدد شباب الخلايا المبطنة للأمعاء (Mucosal Cells)كل يومين إلى 6 أيام، وتفقد يومياً 17 بليون خلية، فهل يمكن أن تكون الحركة العضلية علاجاً لاضطرابات الهضم وسوء الامتصاص ؟؟
إن فلسفة الصيام مبنية على ترك الطعام والشراب، وتشجيع آليات الهدم ( العمليات الكيميائية الحيوية) أساساً في عملية التمثيل الغذائي، والنهار هو الوقت الذي تزداد فيه عمليات التمثيل الغذائي، وخصوصاً عمليات الهدم، لأنه هو وقت النشاط والحركة واستهلاك الطاقات في أعمال المعاش... وقد هيأ الله سبحانه وتعالى للجسم البشري ساعة بيولوجية تنظم هرمونات الغدد الصماء، وكثيراً من آليات التمثيل الغذائي، بما يتوافق ونشاط هذه الآليات أثناء النهار، ولنضرب مثلاً بهرمون الكورتيزول وهرمون الأدرينالين، فالأول يكون في أقصى زيادة له عند التاسعة صباحاً تقريباً – في الشخص الذي ينام ليلاً – ويقل تدريجياً حتى يصل إلى خُمس معدل تركيزه عند منتصف الليل. وهذا الهرمون هو من هرمونات الهدم، إذ يعمل على تكسير البروتينات إلى أحماض أمينية، والثاني هرمون الأدرينالين، إذ يصل إلى أقصى معدل له في نهاية فترتي الصباح والظهيرة ( حوالي التاسعة صباحاُ والثانية ظهراً) وهذا الهرمون برفع ممل تركيز الجلوكوز والأحماض الدهنية، ويزيد من معدل هدمها، كما يساعد في تثبيط تكوين البروتين وأكسدة الأحماض الأمينية في العضلات ويحرك الألانين إلى الكبد– لتكوين جلوكوز جديد فيه وتقديم المزيد من الطاقة لجسم – كما ينبه الجهاز العصبي... لذلك فقد يكون هذا أحد الأسرار التي جعل الله من أجلها الصيام في النهار، وقت النشاط والحركة والسعي في مناكب الأرض، ولم يجعله بالليل وقت السكون والراحة !
من أجل هذا – يمكننا أن نقول – وبكل ثقة -: إن النشاط والحركة أثناء الصيام يوفر لجسيم من الجلوكوز المصنع أو المخزون في الكبد، وهو الوقود المثالي لإمداد المخ وكرات الدم الحمراء ونقي العظام والجهاز العصبي بالطاقة اللازمة، لتجعلها أكثر كفاءة لأداء وظائفها، كما توفر الحركة طاقة للجسم البشري تستخدم في عملياته الحيوية، فهي تثبط تكون البروتين من الأحماض الأمينية، وتزيد من تنشيط آليات الهدم أثناء النهار، فتستهلك الطاقات المختزنة وتنظف المخازن من السموم التي يمكن أن تكون متماسكة أو ذاتية في المركبات الدهنية أو الأمينية... وإن الكسل والخمول والنوم أثناء نهار الصيام ليعطل الحصول على كل هذه الفوائد، بل قد يصيب صاحبه بكثير من العلل ويجعله أكثر خمولاً وتبلداً، كما أن النوم أثناء النهار والسهر طوال ليل رمضان، يؤدي إلى حدوث اضطراب عمل الساعة البيولوجية في الجسم، مما يكون له أثر سيء على الاستقلاب الغذائي داخل الخلايا.
ولقد أجريت دراسة أثبتت هذا الاضطراب على هرمون الكورتيزول، فلقد قام الدكتور محمد الحضرامي في كلية الطب – جامعة الملك عبد العزيز– بإجراء دراسة على 10 أشخاص أصحاء مقيمين خارج المستشفى، وأظهرت الدراسة أن أربعة منهم حدث عندهم اضطراب في دورة الكوتيزول اليومية، وذلك خلال الأسبوعين الأخيرين من شهر رمضان، مع انقلاب النسب المعهودة في الصباح وفي منتصف الليل. فقد لوحظ أن المستوى الصباحي قد انخفض وأن المستوى المسائي قد ارتفع، وهذا على عكس الوضع الاعتيادي اليومي، وقد عزا الباحث هذا الاضطراب إلى التغيير في العادات السلوكية عند هؤلاء الصائمين، الذين يقضون النهار في النوم، ويقضون الليل في السهر، وقد عاد الوضع الطبيعي للكورتيزول بعد 4 أسابيع من نهاية شهر الصيام، وبعد أن استقر نظام النوم ليلاً والنشاط نهاراً عند هؤلاء الأشخاص.
من أجل هذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه والمسلمون الأولون لا يفرقون في الأعمال بين أيام الصيام وغيرها، بل قد يعقدون ألوية الحرب ويخوضونها صائمين متعبدين... فهل يتحرر المسلمون من أوهام الخوف من الحركة والعمل أثناء الصيام !! وهل يهبون قائمين لله عاملين ومنتجين ومجاهدين، مقتدين بنبيهم صلى الله عليه وسلم وسلفهم الصالح رضوان الله عليهم !!
الصيام والتخلص من الشحوم:
تعتمد السمنة على الإفراط في تناول الطعام، وخصوصاً الأطعمة الغنية بالدهون، هذا بالإضافة إلى وسائل الحياة المريحة، والسمنة مشكلة واسعة الانتشار، وقد وجد أن السمنة تقترن بزيادة خطر الأمراض القلبية الوعائية، مثل: قصور القلب والسكتة القلبية ومرض الشريان التاجي ومرض انسداد الشرايين المحيطة بالقلب.
وتحدث السمنة نتيجة لاضطراب العلاقة بين ثلاثة عناصر من الطاقة وهي: الكمية المستهلكة من الطعام، والطاقة المبذولة في النشاط والحركة، والطاقة المختزنة على هيئة دهون بصفة أساسية، فالإفراط في تناول الطعام مع قلة الطاقة المبذولة في الحركة يؤدي إلى ظهور السمنة.
إن الإنسان العادي يستهلك حوالي 20 طناً من الطعام خلال حياته، وظهور نسبة 25% من الخطأ في توازن الطاقة يؤدي إلى حدوث زيادة في الوزن تبلغ 50 كجم، أو حدوث زيادة عند شخص بالغ يزن 70 كجم، فيصبح وزنه 120 كجم... وهذا من شأنه أن يبين مدى الدقة المطلوبة في تنظيم تناول الطعام للمحافظة على استقرار وزن الجسم.
ومن المعتقد أن السمنة تنجم إما عن خلل استقلابي ( خلل في التمثيل الغذائي)، أو عن ضغوط بيئية، أو اجتماعية، وقد تحدث البدانة أيضاً بسبب خلل في الغدد الصماء، أو بأسباب نفسية واجتماعية متضافرة تظهر على شكل إفراط في الأكل، وكثيراً ما يتزامن حدوث الاضطرابات الاستقلابية والضغوط البيئية بحيث يصل أحدهما الآخر، فتتفاقم الحالة.
وفي المقابل، يرى الكثير من العلماء أن الاضطراب النفسي الذي يفضي إلى الشراهة في تناول الطعام، والذي يتسبب في السمنة قد يؤدي إلى ظهور اضطرابات الرئيسية في توازن الطاقة – في حالة السمنة – على أنها عبارة التغيير في أحد العناصر، ولكن يظل واضحاً تماماً أن الإفراط في الأكل هو أحد العوامل الرئيسية في حدوث السمنة.
وهناك تغيرات كيميائية الشحمية ( نوع بيتا) في البلازما والأحماض الدهنية الحرة، ويزداد تركيز الأنسولين في الدم زيادة كبيرة، مما يؤدي إلى تضخم في البنكرياس، أو زيادة أنسجته، فيؤدي إلى زيادة إنتاج الأنسولين، الذي يتسبب في تكون الأحماض الدهنية في الكبد من المواد الكربوهيدراتية، وزيادة ترسب المواد الدهنية في الأنسجة الشحمية، وهذا يؤدي إلى ظهور أعراض ( مرض السكري) حيث تفقد مستقبلات الأنسولين – الموجودة على الأنسجة – الاستجابة للأنسولين.
لقد حاول كثيرون علاج السمنة فوضعت أنظمة غذائية كثيرة، كان أغلبها مزيفاً، وغير مبني على أسس علمية، إذ لا تعمل هذه الأنظمة إلى على فقدان كمية كبيرة نسبياً من ماء الجسم، فيعطي الانطباع بانخفاض الوزن، وبعض هذه الأنظمة أدى إلى فقدان الجسم لكمية من الدهون، لكنها أدت أيضاً إلى ظهور الأجسام الكيتونية.
أما الصيام الإسلامي المثالي فيعتبر النموذج الفريد للوقاية والعلاج من السمنة في آن واحد، حيث يمثل الأكل المعتدل والامتناع عنه مع النشاط والحركة، عاملين مؤثرين في تخفيف الوزن، وذلك بزيادة معدل استقلاب الغذاء بعد وجبة السحور، وتحريك الدهن المختزن لأكسدته في إنتاج الطاقة اللازمة بعد منتصف النهار.
ويرجع العلماء حدوث الزيادة في معدل استقلاب الغذاء (BMR) بعد تناول وجبة الطعام، إلى ارتفاع الأدرينالين والنور أدرينالين، وازدياد السيالات الودية (Sympathetic discharge)،نتيجة لنشاط الجهاز العصبي الودي . وعمل القوة المتحركة النوعية (Specific Dynamic Action)، حيث يستهلك كل نوع من محتويات الطعام طاقة حتمية أثناء عمليات الغذائي. فتستهلك كمية البروتين التي يمكن أن تعطي الجسم 100 كيلو كالورى، 30 كيلو كالورى، وتستهلك نفس الكمية من الكربوهيدرات والدهون 6 ك. ك، و4 ك. ك على التوالي، ويستمر نشاط عمليات الاستقلاب لمدة 6 ساعات، أو أكثر، بعد تناول وجبة الطعام.
ويعتبر بذل الجهد العضلي من أهم الأمور التي تؤدي إلى زيادة معدل الأيض (الاستقلاب) (Metabolic rate)،وهو الذي يظل مرتفعاً، ليس أثناء الجهد العضلي فقط، ولكن بعد ذلك بفترة طويلة كافية (50). وبهذا يحقق الصيام الإسلامي المثالي – المتمثل في الحفاظ على وجبة السحور والاعتدال في الأكل والحركة والنشاط أثناء الصيام – نظاماً غذائياً ناجحاً في علاج السمنة، أما نظام التجويع الطويل بالانقطاع الكلي عن الطعام فيؤدي إلى هبوط الاستقلاب، نتيجة لتثبيط الجهاز الودي ( السمبثاوي) وهبوط الأدرينالين والنور أدرينالين السابح في الجسم، وهذا يفسر لماذا يهبط وزن الشخص الذي يريد تخفيف وزنه بواسطة التجويع بشدة في البداية، ثم يقل بالتدريج بعد ذلك، ويكون معظم الوزن المفقود في الأيام الأولى هو في الواقع من الماء الموجود داخل الجسم، المليء بالطاقة المختزنة والأملاح المرافقة لها .
ملتقانا في الجزء الثالث والأخير ............
مع أطيب الأمنيات