hala star
عدد المساهمات : 45 تاريخ التسجيل : 16/08/2008
| موضوع: نَسِيَ الطّينُ ساعَةً أنّهُ طِينٌ الخميس أغسطس 28, 2008 6:31 am | |
| لا أدري لماذا يتعالى من كان أصله من طين وكيف يزهو في ثياب الكبرياء، كيف يسمو إلى السحب شامخاً وينظر إلى سواه بازدراء. وكيف يتجاهل أن البشر جميعهم من حيث الأصل ونواميس الحياة سواء. هي أسئلة كثيرة يطرحها ويجيب عليها شاعرنا الفيلسوف إيليا أبو ماضي الشاعر المكافح في سبيل لقمة العيش كحال كل شعراء المهجر، الذي عارك الحياة فأكسبته ثقافة واسعة وحكمة جمة، ولد في لبنان 1889م وهاجر إلى أمريكا وبدأ حياته الصحفية في الرابطة القلمية وكانت وفاته عام 1957م. وقصيدتنا هذه من البحر الخفيف.
نَسِيَ الطّينُ ساعَةً أنّهُ طِينٌ حَقيرٌ فَصالَ تِيهاً وعَرْبَدْ
وكَسا الخَزُّ جِسْمَهُ فَتَباهى وحَوى المَالَ كيسُهُ فَتَمَرَّدْ
يا أَخي لا تَمِلْ بِوَجْهِكَ عَنّي ما أنا فَحْمَةٌ ولا أنتَ فَرْقَدْ
أنتَ لم تَصْنَعِ الحَريرَ الذي تَلْـ ـبَسُ واللّؤْلُؤَ الذي تَتَقَلَّدْ
أنتَ لا تَأْكُلُ النُّضارَ إذا جُعْـ ـعْتَ ولا تَشرَبُ الجُمانَ المُنْضَدْ
أنتَ في البُرْدَةِ المُوشّاةِ مِثْلي في كِسائي الرَّديمِ تَشْقى وتَسْعَدْ
لكَ في عالَمِ النَّهارِ أَمانٍ ورُؤىً والظّلامُ فَوْقَكَ مُمْتَدْ
ولِقَلبي كما لِقلْبِكَ أَحْلامٌ حِسانٌ فإنّهُ غيرُ جَلْمَدْ * * * أَأَمانيَّ كُلُّها مِن تُرابٍ وأَمانيكَ كُلُّها مِن عَسْجَدْ؟
وأمانيَّ كُلُّها لِلتَّلاشي وأمانيكَ للخُلودِ المُؤكَّدْ؟
لا، فهذي وتِلْكَ تَأْتي وتَمْضي كَذَوِيها وأيُّ شَيءٍ يُؤَبَّدْ؟
أَيّها المُزْدَهي! إذا مَسَّكَ السُّقْـ مُ ألا تَشْتَكي؟ ألاتَتَنَهَّد؟
وإذا راعَكَ الحَبيبُ بِهَجْرٍ ودَعَتْكَ الذّكرى ألا تَتَوَجَّدْ؟
أنتَ مِثْلي يَبَشُّ وجْهُكَ للنُّعْمى وفي حالَةِ المُصيبَةِ يَكْمَدْ
أدُموعي خَلٌّ ودَمْعُكَ شَهْدٌ؟ وبُكائي ذُلٌّ ونَوْحُكَ سُؤْدَدْ؟
وابْتِسامي السَّرابُ لا رِيَّ فيهِ؟ وابْتِساماَتُكَ الّلآلي الخُرَّدْ؟
فَلَكٌ واحَدٌ يُظِلُّ كِلَيْنا حارَ طَرْفي به وطَرْفُكَ أَرْمَد
قَمرٌ واحدٌ يُطِلُّ علينا وعلى الكوخِ والبِناءِ الموَطَّدْ
إنْ يَكُنْ مُشْرِقاً لِعَيْنِكَ إنّي لا أَراهُ مِن كُوَّةِ الكُوخِ أَسْوَدْ
النُّجومُ التي تَراها أراها حِينَ تَخْفى وعِندما تَتَوَقَّدْ
لسْتَ أدْنى على غِناكَ إليها وأنا مَعَ خَصاصَتي لستُ أَبْعَدْ * * * أنتَ مِثْلي مِنَ الثَّرى وإليهِ فَلِماذا، يا صاحِبي، التِّيهُ والصَّدْ
كنتَ طِفلاً إذْ كنتُ طِفلاً وتَغْدو حينَ أَغدو شَيخاً كبيراً أدْرَدْ
لستُ أدري مِن أينَ جِئْتُ، ولا ما كنتُ، أو ما أَكونُ، يا صاحِ، في غَدْ
أفَتَدْري؟ إذنْ فَخَبِّرْ وإلاّ فلماذا تَظُنُّ أنَّكَ أَوْحَدْ؟ * * * أَلَكَ القَصْرُ دونهُ الحَرَسُ الشَّا كيْ ومِنْ حَولِهِ الجِدارُ المُشَيَّدْ
فامْنَعِ الليلَ أنْ يَمُدَّ رِواقاً فوقهُ، والضَّبابَ أنْ يَتَلَبَّدْ
وانْظُرِ النُّورَ يَدْخُلُ لا يَطْـ ـلُبُ إذناً، فمالهُ ليسَ يُطْرَدْ؟
مَرْقَدٌ واحِدٌ نَصيبُكَ منهُ أَفَتَدْري كَمْ فيكَ للذَََّرِّ مَرْقَدْ؟
ذُدْتَني عنهُ، والعَواصِفُ تَعْدو في طِلابي، والجَوُّ أَقْتَمُ أَرْبَدْ
بينما الكَلْبُ واجِدٌ فيهِ مَأْوىً وطَعاماً، والهِرُّ كالكلبِ يُرْفَدْ
فَسَمِعْتُ الحياةَ تَضْحَكُ منّي أتَرجَّى، ومِنكَ تَأْبى وتَجْحَدْ * * * أَلَكَ الرّوضَةُ الجَميلَةُ فيها الماءُ والطَّيْرُ والأَزاهِرُ والنَّدْ؟
فازْجُرِ الرِّيحَ أن تَهُزَّ وتَلْوي شَجَرَ الرَّوْضِ، إنّه يَتَأَوَّدْ
والْجُمِ الماءَ في الغَديرِ و مُرْهُ لا يُصَفِّقُ إلاّ وأنتَ بِمَشْهَدْ
إنَّ طَيْرَ الأَراكِ ليسَ يُبالي أنتَ أَصْغَيْتَ أم أنا؟ إن غَرَّدْ
والأزاهيرُ ليسَ تَسْخَرُ مِن فَقْـ ـري، ولا فيكَ للغِنى تَتَوَدَّدْ * * * ألكَ النَّهْرُ، إنَّهُ للنَّسيمِ الرْ رَطْبِ درْبٌ وللعصافيرِ مَوْرِدْ
وهو للشُّهْبِ تَسْتَحِمُّ بهِ في الصْـ صَيفِ ليلاً كأنّها تَتَبَرَّدْ
تَدَّعيهِ، فهل بأَمْرِكَ يَجْري في عُروقِ الأشجارِ أو يَتَجَعَّدْ
كان من قبلِ أن تَجِيء؛ وتَمْضي وهو في الأرضِ باقٍ للجَزْرِ والمَدْ
ألَكَ الحَقْلُ؟هذه النَّحْلُ تَجْني الشَّهْدَ من زَهْرِهِ ولا تَتَرَدَّدْ
وأرى للنِّمالِ مُلْكاً كبيراً قد بَنَتْهُ بالكَدْحِ فيهِ وبالكَدْ
أنتَ في شَرْعِها دَخيلٌ على الحَقْـ ـلِ ولِصٌ جَنى عليها فأَفْسَدْ
لو مَلَكْتَ الحُقولَ في الأرضِ طُرّاً لم تَكُنْ من فَراشَةِ الحَقْلِ أَسْعَدْ
أجَميلٌ؟ ما أنتَ أبْهى مِن الوَرْ دَةِ ذاتِ الشَّذى ولا أنتَ أَجْوَدْ
أم عَزيزٌ؟ وللبَعوضَةِ مِن خَدْ دَيكَ قوتٌ، وفي يَدَيْكَ المُهَنَّدْ
أم غَنِيٌّ؟ هَيْهاتَ تَخْتالُ لولا دودَةُ القَزِّ بالحِباءِ المُبَجَّدْ
أمْ قَويٌّ؟ إذَنْ مُرِ النَّومَ إذ يَغْـ ـشاكَ والليلَ عَن جُفونِكَ يَرْتَدْ
وامْنَعِ الشَّيْبَ أن يُلِمَّ بِفَوْدَيْـ ـكَ ومُرْ تَلْبَثِ النَّضارَةَ في الخَدْ
أعليمٌ؟ فما الخَيالُ الذي يَطْـ ـرُقُ ليلاً؟ في أيِّ دنيا يُوَلَّدْ؟
ما الحياةُ التي تَبينُ وتَخْفى؟ ما الزَّمانُ الذي يُذَمُّ ويُحْمَدْ؟
أيّها الطّينُ لستَ أنْقى و أسمى مِن تُرابٍ تَدوسُ أو تَتَوَسَّدْ
سُدْتَ أو لَم تَسُدْ فما أنتَ إلاّ حيوانٌ مُسَيَّرٌ مُسْتَعْبَدْ
إنّ قَصْراً سَمَكْتَهُ سوفَ يَندَكُّ، وثوباً حَبَكْتَهُ سوفَ يَنْقَدّْ
لا يَكُنْ للخِصامِ قلبُكَ مَأْوىً إنّ قلبي للحُبِّ أصبحَ مَعْبَدْ
أنا أولى بالحُبِّ منكَ وأَحْرى مِن كِساءٍ يَبْلى و مالٍ يَنْفَذُ | |
|